||

حكم مدح النبي صلى الله عليه وسلم في يوم مولده

سئل الامام ابن عثيمين رحمه الله :

هذه رسالة وصلت من تشاد من محافظة فايا من الأخ موسى يحيي يقول: في هذا السؤال ما حكم مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في ذكر مولده؟ وهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه. جزاكم الله خيراً.

فأجاب:

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووصفه بصفاته الحميدة والأخلاق الفاضلة أمر مطلوب مشروع، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ولكن اتخاذ ذلك في ليلة معينة أو يوم معين بلا دليل من الشرع يعتبر بدعة؛ لأن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة، إذا لم يصل إلى حد الغلو، والعبادة لابد أن يكون فيها إذن من الشرع، وما علمنا أن الشرع خص يوما أو ليلة معينة ليمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا يوم الجمعة، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا فيه من الصلاة علي فإن صلاتكم معروضة»، والاحتفال بليلة مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية الشرعية، أما من الناحية التاريخية، أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أو في ليلته، وقد حقق بعض الفلكيين العصريين أنه ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، وأما من الناحية الشرعية، فلو كان في الاحتفال بمولده أجر وثواب، لكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يفعل ذلك؛ لأنه لن يفوت فرصة فيها أجر وثواب إلا قام بها، صلوات الله وسلامه عليه، أو لأرشد أمته إلى ذلك في قوله، وعلى فرض أن الأمر لم يكن في عهده، فلم يكن في عهد الخلفاء الراشدين، أعني الاحتفال بمولده، ولا فيمن بعدهم، وأول ما حدث في القرن الرابع الهجري أحدثه بعض ولاة عرقل، فتبعه الناس على ذلك، لكن لم يتبعه أحد من ممن ينتمي إلى السلف الصالح فيما نعلم، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا الاحتفال قربة يتقرب به إلى الله، أو بدعة لا تزيد العبد ألا ضلالة، فإن قلنا بالأول: بأنه قربة يتقرب بها إلى الله، فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها، وأين الخلفاء الراشدون، وأين الصحابة، فإما أن يقال إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جهلها ولم يعلم شرع الله فيها، وإما أن يقال: إنه علمها ولكنه كتمها وكلا الأمرين خطر عظيم، سواء قلنا: أنه جهلها ولم يعلم، أو قلنا: إنه علم ولكن كتم، وكيف تكون من شريعة الله، وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾، أين الكمال إذا كانت مشروعة ولم تذكر في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم علمها ولكن كتمها عن الناس فما أعظمها من فادحة؛ لأنه يكون الرسول عليه الصلاة والسلام توفي ولم يبلغ شيئا مما أنزل الله عليه، ولهذا لو تأمل الإنسان هذه البدعة وغيرها من البدع، لوجد أن البدعة أمرها عظيم وخطرها جسيم، وأنه لولا حسن النية من بعض محدثيها، لكان شأنهم شأن خطير جداً، لذلك ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يدعوا هذه البدعة، وأن يكتفوا بما شرع الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما ادعاه محدثوها أنها إحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقول: إنه إحياء حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال: «إياكم ومحدثات الأمور »، ثم نقول أيضاً: في الشريعة الإسلامية غنى عن هذا عن هذا الإحياء، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر في الآذان، ويذكر في الصلاة، ففي الآذان أشهد أن محمدا رسول الله، وفي الصلاة في التشهد، أشهد أن لا آله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد، اللهم بارك على محمد، بل نقول: إن من كان حياً فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها؛ لأن من شرط العبادة الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عابد فلابد أن يخلص لله، ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،  وفي هذه الذكريات العظيمة، في هذه العبادات العظيمة، غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها، ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة، ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد، لبتي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم، الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم، تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبصيري، التي فيها يقول: يوم يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحاجة العمم، إن لم تكن أخذا يوم الميعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم، فإن من جودك الدنيا وبرتها، ومن علومك علم اللوح والقلم، هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب، أو في بعضها تقديم وتأخير، لكن الكلام على المضمون لا على الشكل، كالذي يقول: للرسول عليه الصلاة والسلام مخاطبا له، إن من جودك الدنيا وبرتها، وبرة الدنيا هي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم، قد ألحقه، أي ألحق النبي صلى الله عليه وسلم بمقام الربوبيه، ولم يبق لله شيئاً، إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وبرتها، فما الذي بقي لله؟ ثم نقول: هذا من أكبر الكذب، أن تكون من جوده الدنيا وبرتها، أن تكون من جوده الدنيا وبرتها لماذا؟  لأن الرسول خلق حدث في آخر الدنيا، كيف تكون الدنيا من جوده، ثم إننا نسمع إنه يحصل في هذا الاحتفال من الإختلاط بين الرجال والنساء، وبين الكبار والمراهقين، والمعتاد ويحصل في هذا شر كبير، ثم إنه يظهر فيه، في هذا الاحتفال من شعائر الآيات كالفرح والسرور، وتقديم الحلوى وما أشبه ذلك، ما يجعله ابتداعاً في دين الله؛ لأن الأعياد الشرعية هي عيد الفطر ، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الجمعة، ثم أنه يحصل في هذا الاحتفال بذل أموال كثيرة في غير فائدة، بل فيه مضرة، وكل هذا يوجب للإنسان الناصح لنفسه أن يبتعد عنه، فهذه نصيحة من أخ مخلص لإخوانه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لها آذاناً صاغية وقلوباً واعية. 

المصدر: سلسلة فتاوى نور على الدرب > الشريط رقم [290]

العقيدة > البدع والمحدثات